الثلاثاء، 19 يوليو 2011

(٤) ظلان..وامرأتان ...

حسناً...كم بلغت ُ من العمر وكم بلغتِ أنت حتى تتعقد العلاقة بيننا إلى هذه الدرجة؟
هل تتناقص المسافة بيننا كلما تقدم العمر وأخذك النضج خطوات حثيثة للأمام؟ أم أن هذه المسافة تتباعد لإختلاف الوجهات والسبل وطرق السفر؟
أتتقطع تلك الحبال المتينة بين الأم وابنتها حين تسير بهما مراكب الحياة في بحر لجي الموج؟ أتتشابه شموسهما؟ تتطابق مواقيت ساعاتهما الرملية؟ وتتشابك ظلالهما..؟أم أن توقيت العمر يجعل لكل منهما زوالاً وغروباً؟
اليوم ..وبعد أن اختلفت وجهات نظرنا ..وبعد أن رفعتِ صوتك في نبرة حادة - تفاجئتِ حتى أنت منها -لتقنعيني بوجهة نظرك أغلقتُ الموضوع على عجل ..ثم تواريتُ في غرفتي و......بكيت..!
أجل بكيت...!
أتذكرين حين بكيت أمامك لأول مرة وسألتني : هل تبكي الأمهات..ثم رسمت لي قوس مطر ملون وغنيت لي أغنية جميلة أشرقت لها ضحكتي من وسط دموعي؟
يومها لم أخجل ولم أواري دموعي عنك..ولم أحزن لأنك اكتشفت أن الأمهات الكبيرات جداً بالنسبة للطفلات الصغيرات جداً يبكين أيضاً..
لكنني اليوم هرعت إلى غرفتي خجلاً كي أخبئ عنك دموعي..!
دموعي التي لم يكن يخطر على بالها أن ابنتها الصغيرة التي كانت تزعجها ببكائها وعويلها يوماً ما ستكون سبباً في استدرارها مالحة حارقة..!
ياااه..
كم تتعدد أسباب البكاء كلما كبرنا ...
وكم هي دموعنا لا تنتهي كحبات الرمال في ساعات حياتنا الرملية..
.
.
.عدت إلي أتحسس عيني..
أن أبكي بسببك؟ وأنا القوية التي أملك تلك النظرة الصارمة أمام طالباتي؟
أن أبكي بسببك؟ وأنا التي غالباً ما تمر علي مشاكل العمل ومطبات الحياة مروراً عابراً وخارجياً فلا أسمح لها أن تمكث في أعماقي أكثر مما يجب.. 
أن أبكي بسببك؟ وأنا التي بلغت من العمر حداً يجعل البكاء خادشاً للوجاهة والحكمة عابثاً بمسبحة السنين الطويلة؟
أن أبكي بسببك؟ وأنت التي إلى حين قريب لا زلت أذكره كنت طفلتي الصغيرة التي بالكاد تصل إلى وسطي ؟


مسحت دموعي وقلت في نفسي: هذا لا يليق..فلا أسوء من أم تستدر عطف أبنائها وتعزف على أوتار مشاعرهم بدموعها التي يمكن لها بقليل من جهد - أو ربما بالكثير منه- أن تكتمها وتبتلعها وتغص بها وحدها..


حسناً..ينتابني السؤال مرة أخرى: لماذا بكيت؟
الأنني صرت أنظر إليك أفقياً؟
الأنه صار لك صوت وعزف منفرد لا يمتد ولا يتداخل مع أوتار صوتي وجوقة ترانيمي؟
الأنه صار لك رأي يقع على الشط الآخر مني؟
الأن توقيتي ما زال غروبي في حين أن توقيتك صار زوالياً؟
أم لأنني لا أعرف إلا أن أكون أماً لطفلة تلعب معي في الشمس فنتضاحك ونتحايل كي نخلط ظلينا معاً فلا تدرك الشمس أننا اثنتان..
.
.
سأكفكف دموعي وسأمشي مبتعدة أنا وظلي..وسأمنحك كل المساحة كي تتبختري أمام الشمس وتتباهي بأنك امرأة.. 
امرأة لها ظل كامل ..ممتد ..مغرور.. يلاحقها دون أن تلاحق هي فلول أمها..





أنا آسفة..
لا..
أنا منزعجة..
لا..بل أنا..مرتبكة..
تعرفين أنني لم أقصد أن تصل الأمور بيننا إلى هذا الحد ..والشد..والصوت..والدموع..
هل رأيتُ دمعتك يا أمي؟
لم تكن دمعة ..كانت لمعة في عينيك فقط..
أليس هذا صحيحاً؟
أعرف أن الأمهات يبكين لكنهن حتماً لا يبكين من بناتهن..!
تلك كانت دموعي أنا..
وإن لم أذرفها أمامك، لكن في غرفتي وحدي تواريت ودفنت رأسي في المخدة وذرفت دموعاً وكلاماً..
ماذا أفعل؟ وأنا لم أقصد جرحك أو عدم الإنصات لما تقولين أو الأخذ برأيك..
أنا فقط أمارس...الحياة..كما أراها..وهي أيضاً تتحرش بي وتمارسني كما تشتهي..
لماذا تعقدين الأمور علي بدلاً من أن تجعلينها أسهل كما هو الحال في كل حياتي؟
ألم أتعلم منك أن يكون لي رأي مستقل دائماً، فلماذا الآن تحاسبينني على ذلك؟
أتذكرين حين كنت في الرابعة عشر وسألتك ذات يوم عن رأيك في أن أذهب في رحلة عمرة إلى مكة مع صديقاتي..
ولأنني كنت أحياناً في ذلك العمر أجرب الطرق التي تؤدي إلى أكبر مساحة من السلم بيننا لم أخبرك بماذا أريد فقط سألتك أنت عن رأيك وقلت لك: قولي لي إن كنت تريدينني أن أذهب..
نظرتِ إلي بدهشة وقلت: أنت تريدين الذهاب؟
فرددت عليك: رأيي ليس مهماً، إذا أردتني أن أذهب فسأذهب..
نظرت إلي مرة أخرى بتوجس وقلت لي: أهذه شخصيتك الجديدة مثلاً؟ لا تناسبك أبداً يا عزيزتي، تعرفين منذ البداية أنني لا أمانع ذهابك إلى مكة، لذا يظل الرأي لك إن أردت الذهاب..!
أصررت عليك أن تخبريني إن أردتني أن أذهب، لكنك غرقت في ضحكك وقلت لي: أعرف أنك لن تأخذي برأيي  إلا إذا وافق رأيك...
لماذا الآن إذن تستغربين وتغضبين ولا تتقبلين أن يكون لي رأي ونظرة تخالف ما ترينه أنت؟
ألم أكبر بما يكفي كي أمضي في الحياة بدون وجه أرفع إليه رأسي مستفهمة، وظهر ألوذ به خائفة، وظل أحتمي به من حرارة الشمس الحارقة؟
ألا تشعرين أنني غير مضطرة دائماً أن ألبس قلادة تجربة الكبار وحكمتهم بدلاً من قرطي التجربة والدهشة ؟
ألا ترين أن الوقت قد حان كي أعبر الشارع إلى الضفة الأخرى من الحياة دون أن أمسك بيد أحد؟
ألا تدركين يا أمي الفرق بين اللون الكحلي الرصين والفوشي الضاحك؟ بين محمد عبده وجاستن بيبر؟ بين أن أمشي كملكة على السجاد الأحمر و أرقص كغجرية على الشواطئ الرملية؟
.
.
.
.
ماما...أنا أحبك والله...
وحين كنا صغاراً تعلمنا أن الحب هو "أن نسمع الكلام"..
أنا كبرت الآن..والحب صار لدي حباً غير مشروط ولا مقيد..
سأظل أحبك حتى وإن لم أسمع الكلام...
حتى وإن ذهبت يساراً في حين كنت تتوقعين مني أن أسلك اليمين..
.
.
حتى وإن كان ظلي يقف وحده وسط حقل الحياة وتحت شمسها اللاهبة دون أن يظلل عليه ويخفي سواده ظل آخر أحبه ويحبني....

هناك 4 تعليقات:

  1. في الانتظار ^_^

    متابعة ان شاء الله

    ردحذف
  2. مدونه رائعه أروى في انتظار التكمله

    ردحذف
  3. قرات المدونه و انا في مطعم لوحدي في غربتي اشتاق لامي
    اختنقت بالدموع اشتاق لها بجنووون
    اتمنى ان اقبل ضلها افتقدته
    احترقت
    تاثرت بالمدونهةكثيرا
    اعتقد لو ان امي كانت موجوده ستقول لي اتركي اللعب و اكملي طعامك

    ردحذف