الثلاثاء، 15 فبراير 2011

(٢) تهمة..؟

ما أعذب الطفولة..
ما أجملها..
ما أبرأها..
 ما أسهلها.. وما أقربها مني..بل وما أقربها حتى الأمس منك..!!
.
.
أيتها النصف كبيرة..
أيتها التي لم تعد صغيرة..

أخبريني بالله عليك..ماذا هذا الذي أعيشه معك الآن؟ هذا الجنون؟ هذا التوتر؟ هذا التذبذب؟ 
ماذا يسمى؟ وكيف أفهمه وأستوعبه وأتعامل معه؟ وأنا التي توقفت منذ فترة عن شراء كتب التربية أو حضور الدورات التي تساعد الأمهات الصغيرات صاحبات التجارب الأولى على فهم أطفالهن لظني أنني صرت أكثر خبرة وتجربة..وفهماً..
يالحماقتي إذن..!





ذلك اليوم حين اتصلت على صديقتي ردت علي ابنتها التي في مثل عمرك..سألتها عن والدتها ، فأجابت: هي غير موجودة الآن..تصدقين يا خالة أنها ذهبت إلى دورة" كيفية التعامل مع المراهقين"..يا الله ألهذه الدرجة؟


أجل يا فتاتي..



أجل..لهذه الدرجة!

أن تلجي هذا العالم كفتاة متهمة بممارسة خطوات النضج الأولى الغير متزنة يعد أسهل بكثير من أن تلجيه كأم بدأت تعيد رسم حدود خارطة سيطرتها الأمومية بل وتستعد لفقد أجزاء منها..

كلما دخلت عليك غرفتك وجدتها تسبح في بحر من الفوضى..كتب وأوراق في كل مكان..حقائب فارغة أو نصف ممتلئة..ملابس ملقاة على الأرض لا أعرف إن كانت نظيفة أم لا..ثوب صلاتك مكوم في طرف الغرفة ولست أثق متى آخر مرة استخدم..حذاء وفردة جورب متسخة..عباءة على السرير..كوب مملوء نصفه بالعصير يتناثر حوله فتات من البسكويت وأوراق فضية متسخة تضم بقايا لوح شوكولاته..

تستلقين على السرير بكسل صار معتادا، يمحور حياتك إما في السماعات التي تضعينها في أذنك لسماع موسيقاك الرديئة أو في جهاز اللاب توب الصغير حيث تتسكعين لساعات في الانترنت..أو في مكالمة طويلة مع إحدى صديقاتك..وحين تنضمين إلينا في غرفة الجلوس يكون التلفزيون هو شاغلك الأول..
أخبريني..لماذا صار أكثر المواضيع التي نتحدث فيها مواضيع تبدو أساسية ظننت أننا انتهينا منها كالنظافة والترتيب واستغلال الوقت فيما يفيد؟
لماذا علي أن أقطع أي نقاش كي أذكرك بضرورة أن تتمتعي بالأدب والتهذيب في نبرة صوتك ومحاولة توصيل وجهتك نظرك؟
لماذا علي أن أذكرك بضرورة أن تستحمي وأن لا تؤجلي هذه الفكرة ليوم آخر بحجة أنه "مافيك" أو "ما عندك وقت"..؟
تشاجرت معك ذلك اليوم كي تستحمي، حاولت أن لا أرفع صوتي لكنني أمام لا مبالاتك ومماطلتك خرجتُ غاضبة من غرفتك ، استلقيت على سريري وأنا أفكر.. 
هل يستحق الأمر كل هذا العناد؟
هل حقاً سبق وأن خطوت أنا عبر هذه البوابة قبلاً؟
إذن لماذا لا أذكر ذلك ؟ وأبدو كأنني لا أعرفها..؟
أذكر فقط بعض ملامحي الباهتة هناك، بعض تجاربي الأولى اللاذعة، وقليل من دهشاتي التي رسمت خطوط إدراكي..أذكر بالطبع صديقاتي..وصخبي..والهراء الذي كنت أكتبه في دفتر مذكراتي ..
لكني لا أذكر أمي..ولا أذكر مكانها في وسط عالمي ذاك..لا أذكر طول المسافة التي كانت بيننا بل إني لا أدري إن كانت قد دخلت معي من ذات البوابة..أم أنها وقفت تراقبني من بعيد..
شكوت ممارساتك الغريبة لجدتك وصوتي يمتلأ حنقاً فابتسمت بعتب وهي تقول : اصبري عليها يا ابنتي..
تقول ذلك بمنتهى البساطة مما يجعلني أشك- وهي التي ربت أربع فتيات- أن قد مرت عليها فتاة مثلك..!
كنت غارقة في أفكاري التي تحاول أن تعرف من فينا المتهم !!! لكنك قطعت عني حبل أفكاري بسكين قاطع حين دخلت علي وشعرك يتقاطر ماء..ورغم أن طولك قد قارب طولي إلا أنك اندسست بجواري على السرير ..
.
.
احتضنتني بصمت وقد تبلل نحري وتكبلت بك..
أخذت أفكر هذه المرة: هل هناك من هو متهم حقاً؟



لماذا أشعر دوماً وكأنني متهمة بتهمة خفية؟
لماذا يا أمي تصعبين الأمور علي وعليك وتلتفين لأشياء صغيرة وتافهة لن تؤثر على سير الحياة أبداً كمواعيد الإستحمام وترتيب دولاب ملابسي الخاص وتمشيط شعري؟
أليست غرفتي..هي غرفتي؟
أليس من حقي أن أمارس فيها ما أريد؟ ماذا يعني إذن إن كان مريولي ملقى على الأرض وأنا سأعود لارتدائه في اليوم التالي؟ أو إن كان ثوب صلاتي غير مطوي وأنا سأستخدمه خمس مرات في اليوم؟ أو إن كانت أدراجي غير مرتبة رغم أنني أعرف تماماً مكان كل شيء أحتاجه؟
أنت لا تفهمينني يا أمي..تقولين لي دوماً أنني كبرت ثم تعودين لرسم حدود حياتي وشكلها ضمن قوانينك الصارمة..تقولين لي أنني نضجت ثم لا تتركينني أختار ملابسي أو حتى طريقة تصفيف شعري بنفسي..تقولين أنني مسئولة عن إخوتي الصغار ثم تغضبين مني إن تشاجرت معهم لأنهم لم يستمعوا إلى كلامي..


لا أحد يفهمني في هذه الحياة..وربما أيضا..لا أحد يحبني في البيت..
أتذكرين ذلك اليوم ، جن جنوني حين كنت أبحث عن سماعات الأذن الخاصة بي في كل مكان..أنت لا تحبين صوت الموسيقى العالي والصاخب لذا كان الحل بالنسبة لي هذه السماعات لسماع ما أريد بالعلو الذي يرضيني، رغم ذلك لم أكن أجدها..حين سألتك عنها قلت لي بصوت بارد: أجل ،أعرف أين هي، ألا ترين أنني قد حذرتك مئة مرة من ترك أشيائك ملقاة في كل مكان، وقد وجدت سماعاتك ملقاة بإهمال على أرض غرفة الجلوس فأخذتها وستبحثين عنها بنفسك..أنا لن أعيدها لك..
بالله عليك يا أمي..أشعر كأنني طفلة صغيرة ألعب استغماية مع سماعاتي..لماذا لا تخبريني أين هي وانتهى الأمر..
هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟
هل أستحق هذه المعاملة؟


تعبت من البحث..وتعبت من إصرارك المتواصل علي بأن أستحم... 
بردت المياه رأسي الذي كان يغلي غضباً وحيرة..وفتك الحزن بقلبي الذي تحول على صفحات دفتري إلى كلمات ودموع..
تصدقين يا أمي..
رغم أن هناك شيئا لا أفهمه يجري إلا أنني أشعر أحياناً أنني أشتاق سريرك..أشتاق أحضانك..أشتاق أن تعاملينني كطفلة لا بأس أحياناً أن تخطئ وتلقي أشيائها بإهمال بل و تحتاج لمن يقنعها بأن تستحم..!!


حتى مع انزعاجك من شعري الطويل الذي ينشر البلل حوله..قررت أن أعيش للحظات في أحضانك بلا أية تهمة..!


الأربعاء، 9 فبراير 2011

(١) بل..تتبعثر الأعمار..!!

على شاطئ البحر..كان الجو غائماً على عادة جدة هذه الأيام..
العائلة كلها مجتمعة..تحتفل بالغيمات الشاردات التي تاهت في السماء.. 
جدتك تعتني بأحفادها الصغار وتلعب معهم بالرمل..جدك يتأمل المنظر..وأنت تتسكعين مع خالاتك حافيات على الشاطئ..
كنت أمشي وحدي حتى وجدت أرجوحة خشبية قديمة ذات حبال متينة منصوبة بالقرب من البحر..مرتفعة.. مغرية.. متواطئة مع صوت الموج الذى يضرب شطئان الذاكرة والذي لا قبل لي على مقاومته..
أثناء تأملي سمعت صوت جدك من خلفي يقول: هيا..أصعدي..وسأدفعك..
ابتسمت..خلعت حذائي وجلست على الأرجوحة الخشبية وبدأ جدك يدفعني..
كان يدفعني بقوة..قلت له من بين ضحكاتي: سأطير يا أبي وسأسقط في البحر ..قال لي: ما أروع ذلك إذن..!
جئتِ راكضة وأنت تقولين ضاحكة: جدي جدي بشويش..سأؤلف أنا هذه المرة كتاباً بعنوان: على الأرجوحة تتبعثر أمي..
قلت ذلك وأنت تتشاكسين مع جدك ليوقف الأرجوحة كي تركبي أنت..فجدك كما تقولين : فنان في الدفع على الأراجيح مهما كان وزن الراكب..
.
.
ها أنت تمارسين من جديد عادتك القديمة..
تطلقين تعليقاً كإشارة من فنار ثم تتركينني أبحر في أعماقي تائهة بدون سارية..!
أتناثرتْ أسرار أمك على الأرجوحة حقاً وحين رفضتْ النزول بدأ عمرها يتبعثر أيضاً..؟!
ألا تقف هذه الأرجوحة أبداً؟ ألا تهدأ قليلاً..؟
ألا ترى أن سنواتي تمر أسرع مما ينبغي..أن شعري يطول بأكثر مما أريد ..وأن آيسكريمي يذوب حتى قبل أن أشتهيه؟

ألا تشعر أن تأرجحي صار أثقل..وأقدامي غدت أطول؟ 
وأن تجاربي تراكمت علي حتى فقدتُ حنجرتي التي كانت تصرخ..ونسيتُ إحساس دغدغة البطن الذي كان يضحكني..







من قال أنه على الأرجوحة تتناثر الأسرار فقط؟






من قال أن الأسرار لا تنتهي والصفحات لا تمتلئ؟
من قال أن الأبواب تبقى دائماً مواربة؟ والمقابض لا تغلقها المفاتيح؟

أجل يا ابنتي ..أجل..
على الأرجوحة..تتبعثر الأعمار أيضاً!!!

نزلت من عن الأرجوحة، فركبتِ أنتِ وبدأ جدك يدفعك بقوة كما تحبين وسط صراخك وضحكاتك..
نظرتُ إلى الآثار التي حفرتها أقدامي تحت الأرجوحة..
أقدامك التي بالكاد تصل إلى التراب ..خطّت فوق آثار أقدامي خطوطاً أخرى ... وإن كانت باهتة.. !





ياااالله..
أتذكرين يا أمي؟
أتذكرين؟
بالطبع لا تذكرين..فأنت لم تكوني معي وقتها..
أنا أتذكر.. مع أنني كنت في الرابعة فقط..
ذهبت مع أبي إلى الكورنيش كي آكل آيسكريم أبو ريالين..اشتري لي أبي الآيسكريم ثم أوقف السيارة وأخذني إلى أرجوحة على الشاطئ كانت الوحيدة التي لم يكن يجلس عليها أحد..
.
.
لم أعبأ بالصدأ الذي اعتلاها وطلبت من أبي أن يدفعني..
بقوة..
بقوة أكثر..
وأكثر..
.
.
ثم .. سقطت على الرمل..وشعرت بالألم في وجهي وفي ركبتي..
رفعت رأسي أبحث عن أبي لكني لم أكن أبكي..هل تصدقين ذلك؟
أخذ أبي يلاطفني ويمسح عني الرمل وأنا أصر أن أعتلي الأرجوحة مرة ثانية..
صمت أمام إصراري رغم ركبتي التي كانت مجروحة..
بدأت الشمس في المغيب وعبثاً كان يحاول أبي أن ينزلني حتى يلحق بصلاة المغرب وحتى نعطي فرصة للفتاة التي كانت تحوم حولي تنتظر نزولي..
حين نزلت نظرت إليها شذراً..وذهبت إلى المنزل وقلبي لا يزال هناك على الأرجوحة..
انظري إلي اليوم..ركضت نحوك وشيء ما يشدني إلى هذا المكان..وتلك المساحة ..وذلك الارتفاع..
ركضت نحوك وأنا أتسائل ، ترى.. هل تستمتع أمي بركوب الأرجوحة مثلي؟ أم أنها غدت تؤثر السلامة على شهوة التحليق؟
صحيح أنني لم أعد طفلة ، ولكني أعلم أنني كلما تأرجحت تركت جزءاً أو ربما سراً مني معلق على حبالها رغم ركبتي المجروحة..
اليوم ، كان جدي الذي يدفعني..ولا زال ذات الإحساس القديم بالقدرة على الطيران ولمس السحاب يراودني..
.
.
أخبريني يا أمي...
حين أكبر هل ستنجرح ركبتي أو ربما قلبي هذه المرة ؟
هل سيمنعني التأرجح في حياتي ما بين نشوة الصعود وخيبة الهبوط من نثر أسراري عن يمين العمر وشمال السنوات؟
هل ستنغرز قدماي الطويلتان في الرمال..فتصمتني وتمنع حياتي من هدهدتي ؟
هل ستكونين دائماً خلفي كي تدفعينني إذا ما أثقلتني الحياة وعجزت عن التحليق؟
.
.
نزلت من الأرجوحة مرغمة كدائماً، بعد أن قال جدي أن دوري قد انتهى رغم عدم وجود فتاة صغيرة في الجوار تنتظر دورها..
نظرت خلفي..وجدت هذه المرة أن جدي قد اعتلى كرسي الأرجوحة الخشبي ..!!!!!